في أفق 2030 المجتمع الذي نريد

اشتغلت الدراسات الإستراتيجية و الخطط المستقبلية على 2030، كأفق للإشتغال و الإنتهاء من الإنجاز ، وتكرس هذا التوجه بنيل المغرب تنظيم كأس العالم في نفس التاريخ، لتتناسل الأسئلة و تطرح الملفات و يفتح النقاش حول الاوراش و الإنتظارات.
هل ما بعد 2030 سنتملك مجتمعا جديدا بتصورات وسلوكيات وعقلية مختلفة كنتيجة لما سطرناه من برامج ووضعناه من تصورات؟
ام اننا نحتاج من اليوم الغى إعادة النظر في تصوراتنا لمجتمعنا وسلوكيات وعقلية المواطنين حتى ينسجم المجتمع مع استحقاقات الدولة ؟
وهذه الدولة نفسها بكل النصوص التشريعية العالقة التي سنتها ولم يتم تنزيلها بما في ذلك جزء كبير من دستور 2011. هل ستبقى هذه التشريعات عالقة، ام انغنا في حاجة إلى الانتقال الى السرعة القصوى لتنزيلها وتفعيلها قبل 2030 ؟
قد يكون توقف دينامية المجتمع بسبب كورونا حال دون مواصلة برامج الاصلاح بنفس الوثيرة و النسق التصاعدي. إلا أن ما ينتظرنا من إستحقاقات يجعل ممارستنا تتسم بما يمكن تسميته بهدر زمن التنمية.
وجاء زلزال العالم القروي ليعيد النقاش حول من تقع على عاتقه مسؤولية تعثر برامج اطلقها الملك منذ 2011 لرفع العزلة عن العالم القروي ،لكنها بقيت تراوح مكانها.
فبرنامج تأهيل العالم القروي أطلق منذ حكومة بنكيران ولم نلمس آثاره على أرض الواقع، وكان زمنها رئيس الحكومة الحالي هو وزير الفلاحة المكلف بإنجازه،
والبرنامج التنموي، هذا الورش الكبير الذي فتح نقاشا في إعداده ولم يفتح لمواكبته، ووضع خطط تطبيقه، ولم تطرح حتى إمكانية مراجعته وفق مستجد كورونا وآثارها على مختلف المجالات.
برنامج اللاتمركز الذي يبدو انه التحق بمصير برنامج اللامركزية، حيث كان يعول عليه منذ زمن الوزير بنعبد القادر ان يحدث ثورة في الإدارة المغربية وتحويلها من مركزية مفرطة الغى جهوية مرنة، لكن هذا الورش الكبير لم يرى النور لان الدولة المركزية ليست مستعدة لمنح صلاحياتها للجهات مالم يكن هناك ضغط شعبي لفرضه.
ورش التغطية الإجتماعية الذي قيل انه سيقطع مع مرحلة طويلة من معاناة المواطنين ،وان إنخراط الجميع في برنامج التغطية الصحية من شأنه أن يحقق العدالة الإجتماعية و ينعش قطاعا هو واحد من ركائز الدول النامية الحديثة . ولا احد اليوم يناقش حجم التغطية ولا مكامن الخلل الذي حال دون تعميمها .
على مستوى العلاقات الدولية والعلاقة مع المغاربة المقيمين بالخارج، نبه الملك في خطاب رسمي الى الوضعية غير المقبولة لقنصليات المملكة بالخارج و لمردودية عملها، وطريقة اشتغالها، وهو ورش في غاية الأهمية لتحسين صورة المغرب بالخارج، وجلب الاستثمارات الأجنبية والوطنية من أبناء الجالية، وتملك القنصليات والسفارات اليوم ما يمكن تسويقه للعالم بناء على الكم الهائل من الاوراش التي اطلقتها بلادنا. وهذا الورش لم نسمع عن أية إجراءات متخدة لتطبيقه بما في ذلك تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.
وعلاقة بالقنصليات، فإن ورش فتح قنصليات بالاقاليم الجنوبية، بمدينتي الداخلة والعيون، يسائل الدولة عن مردودية هذه الخطوة ميدانيا، حيث يسجل غياب تام لعمل هذه القنصليات والتي قد تتحول الى مباني مهجورة في غياب برنامج عمل قنصلي واضح و مثمر و ذو مردودية على قضيتنا الوطنية وعلى الدول التي فتحت تلك القنصليات.
وفي نفس السياق يطرح سؤال التراكم الكمي الذي حققته المبادرة في بدايتها قبل أن تتوقف و تتم بشكل متقطع مع العلم ان الدول العربية لم تبادر إلى حل قنصلياتها الا دولتين او اكثرغ بقليل.
ورش بناء السدود الذي أطلق منذ سنوات، ولا نجد كثيرا من المعلومات حول أشغاله هل أنجزت أم لم تنجز ؟ وماهي السدود التي أطلقت وتلك التي لم تطلق مع وضع جدولة زمنية واضحة وميزانيات مضبوطة، اخدا بعين الإعتبار ان بلادنا كما باقي دول شمال افريقيا تنتظر مواسم جفاف قد يغير كثيرا من المعطيات في البنية الإقتصادية لهذه الدول بما في ذلك ضمان الأمن الغدائي.
إن الإنجازات في مجال الحكامة الاقتصادية والإدارية والمالية وإن كانت مبنية على رؤية وإرادة ملكيتين متينتين وحقيقيتين، فإن تنزيلها على أرض الواقع بقي يشكو من ضعف التخطيط العملاني والتعثر المؤسساتي، وقلة الأثر الملموس على حياة المواطن.
وإذا كان المغرب يولي عناية كبيرة لمطابقة او إنسجام تشريعاته مع الالتزامات الدولية وفق إعتماد المغرب على توصيات الامم المتحدة وصندوق النقد الدولي و البنك الدولي خاصة، في المجالات الإجتماعية والحريات الفردية فإن تحدي ملائمة تلك القوانين للشريعة طرح نقاشا.
واسعا تكرر مع فتح ملف إصلاح مدونة الأسرة حسمه الملك بتأكيده على رفض المغرب سن أي تشريع يتعارض مع التشريعات السماوية للإسلام .
من جهة أخرى يرى المتتبعون ان المغرب يواجه تحديات حقوقية على مستوى إقراره بأن البلاد خالية من معتقلي الرأي و المعتقلين السياسيين، وان السجناء الذين تبعوا وحكموا في احداث الحسيمة او الصحفيين الذين تورطوا في ملفات غير الصحافة تعتبرهم الدولة سجناء حق عام ، فيما منظمات دولية تعتبرهم معتقلين سياسيين . و هنا ترفع اصوات داخلية وخارجية تطالب بإطلاق سراحهم وطي صفحة ما تسميه بإنتهاكات حقوق الإنسان, والتأسيس لإنفراج حقوقي يحتاجه المغرب في الاستحقاقات المقبلة ،حسب ما تراه نفس الأصوات.
ويبقى اكبر ملف يواجه حكم الملك محمد السادس منذ بدايته الى اليوم ،هو استمرار الإفلات من العقاب بالنسبة لفئة واسعة متورطة في الفساد المالي والإداري و الأقتصادي ،من منتخبين و سياسيين و رجال اعمال ، وكل الملفات التي جمعها المجلس الأعلى للحسابات لم تجد طريقها الى القضاء ،وحتى تلك التي بث فيها القضاء جاءت الاحكام خجولة و محتشمة ،كالإعفاء من المهام و السجن المحدود او موقوف التنفيذ، وغرامات مالية تمثل الفتات نظير ما تمت سرقته من المال العام أو استغلال النفوذ .
استمرار سياسة عفى الله عما سلف تكرس مبدأ الإفلات من العقاب وتشجع على تفشي و انتشار الفساد ، والنهب والسرقة مادام ليس هناك حسيب ولا رقيب سوى لجنة دموسمية تعد تقارير سرية لا توصل أصحابها الى قفص الاتهام ،بل ان منهم من تتم ترقيته وتكليفه باكثر من مهمة …
هناك محطة هامة ودالة تنتظر المغرب قبل 2030 ،ويتعلق الأمر بالإستحقاقات الإنتخابية المحلية منها و الوطنية . و في ظل هيمنة الاحزاب الإدارية على المشهد السياسي ،وأفول بريق وحركية و عمل الحزبين الإشتراكي و الإسلامي الممثلين لتوجهات اديولوجية ومعهما الحزب المحافظ الإستقلال رغم مشاركته الحكومية، وحزب العالم القروي الحركة بحزبيها ،فإن العملية السياسية المقبلة برمتها لا يمكن ان تنتج سوى نفس النخب و نفس الاحزاب التي جعلت من المال و من دعم المخزن الغير معلن آليات ومرتكزات لمعاودة التجربة وفق تصور عام يخلق للدولة الانسجام الضروري بين المؤسسات التشريعية و التنفيذية و التقريرية ولو على حساب سلامة العملية الديموقراطية .
أفول العمل الحزبي و النقابي نتج عنه فراغ في النقاش السياسي و تتبع ومراقبة الشأن العمومي و شح التصورات الجديدة التي تمنح نفسا جديدا في الدولة عبر خلق نخب جديد تكون بديلا لنخب يتم تدويرها بشكل يعطي الإنطباع ان الدولة و الوطن يفتقر إلى المؤهلات البشرية الممتلكة ل”البروفايل”الذي يبحث عنه مهندسو كواليس الدولة وصناعة القرار فيها من حكومة الظل .
وفي العلاقات المغربية الأفريقية صدر تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قبل ثلاث سنوات ، يشير إلى أن المغرب انتهج في العشرين سنة الأخيرة سياسة إرادية في التعاون مع باقي البلدان الإفريقية قوامها المسؤولية المشتركة والتضامن. وفي هذا الصدد، تم اتخاذ العديد من المبادرات، من أهمها إلغاء ديون بعض البلدان الإفريقية الأقل نموا، وإعفاء بعض المنتجات المستوردة من بعض البلدان الإفريقية من الرسوم الجمركية، وتقديم منح دراسية لفائدة الطلبة الأفارقة، واعتماد سياسة ملائمة في مجال الهجرة مكنت من تسوية وضعية أزيد من 50.000 مهاجر من بلدان القارة الإفريقية منذ سنة 2014.
وسيكون من بين أكبر التحديات في السنوات القادمة هومعرفة مدى قدرة المغرب على إحتواء الهجرة التي من المنتظر أن تتزايد مع تنظيم المغرب لكأس إفريقيا و كأس العالم تواليا ،و العديد من المحطات التي من المنتظر أن تكون محطات جلب سياحية و لكن ايضا لجلب الهجرة غير الشرعية اتجاه المغرب للاستقرار فيه او للعبور إلى أوروبا.
برنامج محاربة الهشاشة، والذي جاء لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، والمرضى، والمسنين، ودعم الإدماج السوسيو-اقتصادي بالإضافة إلى حماية الطفولة والشباب والذي توسعت قاعدة استهدافه من ثمان فئات في المرحلة الأولى إلى عشر فئات في المرحلة الثانية، زيادة إلى برنامج أفقي يعنى بالمناطق غير المستهدفة حسب المعايير المعتمدة بالبرامج الأخرى، لكن لا نجد ارقاما واحصائيات تبرز اثر هذه المراحل على المواطن ، و الشائع عند الناس هو تفشي الفوارق الإجتماعية و الهشاشة التي يغذيها الإقتصاد الموسمي والاقتصاد الغير مهيكل و إقتصاد التهرب الضريبي والريع .
إن التضخم يبدو في ظاهره انه موجة عالمية تضرب إقتصادات العالم ،لكن أثره يكون متفاوتا حسب صلابة الإقتصاد ونجاعة المؤسسات ، وفي المغرب يبدو ان الدولة نهجت سياسة “القرار الجبان “, التي يرتكز في مواجهة التضخم على الرفع من الاسعار و الزيادة الضريبية ، وهو نفس التوجه الذي كرسه قانون المالية 2023.
من كل ما سبق ،يبدو ان المجتمع المغربي لازال يتخبط في الكثير من الاختلالات التي تحول دون تحقيق دورة اقتصادية سليمة وتفرز علاقات اجتماعية متزنة و متوازنة تحقق العيش الكريم للمواطنين وتدفعهم الى الخلق والابداع و تقديم صورة أصيلة عن بلادنا .
محطة 2030 ،كأفق للعمل تريده تتويجا لمغرب يبني و يجني ، ومغاربة يعكسون بالفعل معدن الشخصية المغربية التي راكمت المفاخر عبر تاريخها التليذ .ومغرب الاوراش المفتوحة يجب ان يملك القدرة على تخطي مطبات الأزمات المتعاقبة على البلاد والعباد.
فهل تعتبرون ؟.
في أفق 2030 المجتمع الذي نريد to
بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ، فاعل مدني ، مهتم بالتراث والتنمية . في أفق 2030 المجتمع الذي نريداكادير، اكتوبر،2024.