الجالية المغربية بجنوب فرنسا تخلد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء..
افجر الجديد:
احتفلت الجالية المغربية بمدينة مونبليي، نهاية الأسبوع، بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة، في أجواء يغمرها الاعتزاز الوطني وروح التضامن، وذلك بتنسيق مع القنصلية العامة للمملكة المغربية بمدينةمونبلييه. وقد تميز هذا الحدث بتنظيم ندوة فكرية رفيعة المستوى تحت عنوان: “الدبلوماسية الموازية ودورها في تدعيم مخطط الحكم الذاتي في الصحراء المغربية”، بحضور ثلة من الشخصيات الأكاديمية والسياسية والعسكرية و الثقافية و الفنية.
افتتحت الندوة بكلمة ترحيبية للسيد محمد هناني، منسق ائتلاف الجمعيات المنظمة، أبرز فيها رمزية المسيرة الخضراء كحدث مفصلي في تاريخ المغرب الحديث، ودورها في تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ الروابط المتينة بين الوطن وأبنائه المقيمين بالخارج. مؤكدا ان تنظيم هذه المبادرة الفكرية و الثقافية يأتي مواكبة لنداء جلالة الملك وتوجيهاته السامية التي ما فتىء يدعو بها جلالته الجالية المغربية للانخراط الإيجابي و الفعال في إشعاع المغرب و الدفاع عن المقدسات، كما تأتي هذه اامبادرة في سياق إسهام الجالية المغربية في بلورة رؤية دبلوماسية موازية مسؤولة تضع على عاتقها مسؤوليات جديدة قد تفرضها مرحلة ما بعد 31 أكتوبر 2025 اهمها التفكير في بناء جسر للثقة وبناء التفاهم، وتغليب منطق التنمية على منطق السياسة، لا مجرد وسيلة للترافع فقط.
ومن خلال مشاركته عبر تطبيق التناظر عن بعد، اكد محمد زكرياء أبو الذهب، الخبير في العلاقات الدولية، في مداخلته على أهمية الدبلوماسية الموازية كرافد أساسي للدبلوماسية الرسمية، ودورها المتنامي في التصدي للأطروحات المغلوطة، وتوضيح الحقائق التاريخية والقانونية المرتبطة بقضية الصحراء المغربية داخل الأوساط الأكاديمية والحقوقية والإعلامية الدولية، معتبرا صدور القرار 2797 يُشكّل منعطفًا تاريخيًا في مسار القضية الوطنية، إذ عبّر مجلس الأمن، لأول مرة، بوضوحٍ لا لبس فيه، عن دعمه الكامل للمفاوضات استنادًا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي، مكرّسًا بذلك مكانة المبادرة المغربية كإطار أممي معتمدٍ للحل السياسي العادل والدائم. مؤكدا ان هذا القرار تتويجٌ لمسار دبلوماسي ملكي متّزن ومتبصر، قاده جلالة الملك محمد السادس بحكمة، حيث انتقلت المبادرة المغربية سنة 2007 من اقتراح للتسوية لتصبح اليوم مرجعية دولية ترسخ لمفهوم متكامل للاستقرار الإقليمي.
اما ميكائيل دولافوس، عمدة بلدية مونبليي، فقد أشاد في مداخلته بعمق العلاقات المغربية الفرنسية على مستوى التعاون المحلي والثقافي، موضحا أن التعاون اللامركزي والدبلوماسية الترابية يظلان ركيزتين في العلاقات المغربية الفرنسية، مبرزا أن الدينامية التنموية التي تشهدها المملكة، خاصة في الأقاليم الجنوبية، والتي زارها ، في أبريل الماضي، كاول عمدة فرنسي بزيارة هذه الأقاليم، تفتح آفاقا واعدة لشراكة رابح-رابح. مؤكدا بذلك أن مجالات الطاقات المتجددة والصحة وإزالة الكربون والنقل وغيرها تشكل ركائز أساسية لمستقبل التعاون الثنائي. كما ابرز السيد دولافوس، الذي حضي بتكريم خاص من طرف المنظمين، التقدير الكبير الذي تحظى به الجالية المغربية داخل المدينة، ودورها في تعزيز قيم التعايش والانفتاح.
اما السيناتور جون بيير غران، نائب رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية المغربية بمجلس الشيوخ، فقد أكد في كلمته دعمه الثابت للشراكة المغربية الفرنسية، مسلطاً الضوء على وجاهة وواقعية مقترح الحكم الذاتي كحلّ جدي وذي مصداقية لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء، مؤكدا على الدور الفاعل للدبلوماسية الحزبية والبرلمانية التي تلعب دورا محوريا وكبيرا في تعزيز العلاقة بين فرنسا و المغرب على المستوى السياسي من خلال الترافع على قضايا المملكة ومواقفها وإعطاء العلاقة الثنائية زخما إضافيا.
السيدة رشيدة كعوط، رئيسة المندوبية السامية للجاليات الأفريقية بفرنسا تحدثت في مداخلتها عن الدبلوماسية الموازية
ومدى قدرة الجاليات على فتح قنوات تواصل مؤثرة على صعيد المنظمات المحلية و الإقليمية ثم عن كيفية إحباط محاولات بعض الفاعلين المحليين لإضفاء شرعية رمزية لحركات معارضة لوحدة التراب المغربي، عبر حوارات ومبادرات تصحيحية في الساحة المحلية بفرنسا، مبرزة كيفية توظيف الجاليات كقوة ناعمة لصالح قضايا وطنية. واعتبرت السيدة كعوط ان التنسيق بين الفاعلين المجتمعيين والدبلوماسية الرسمية، يمكن للجالية المغربية أن تساهم بشكل ملموس في تعزيز فهم وتبنّي مقترح الحكم الذاتي كخيار واقعي ومستدام لحل نزاع الصحراء، شرط أن تبقى المبادرات مهنية، منسقة، ومحترمة لقوانين البلد المضيف.
ان حضور و مشاركة الطيار السابق في صفوف القوات المسلحة الملكية، السيد علي عثمان، الذي قضى 26 سنة في سجون مخيمات تندوف لدى جبهة البوليساريو، اضفى طابعا و بعدا خاصا لهذا الحفل، اذ تقدم خلال كلمته بشهادة مؤثرة حول معاناة الأسرى والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان داخل المخيمات، مؤكداً أن المغرب استطاع عبر مسيرته الإصلاحية والدبلوماسية الحكيمة أن يكسب احترام المجتمع الدولي ويُرسّخ عدالة قضيته. وقد تم بالمناسبة توقيع روايته ” أسير حرب في سجون الجزائر و البوليساريو ” . وقد حضي السيد علي عثمان بتكريم خاص من أبناء الجالية ومن كل الحضور الذي وقف إجلالاً له مرفوقاً بعاصفة من التصفيق و لمدة طويلة .
وقد شكلت هذه الندوة مناسبة هامة لإبراز الدور المحوري للجالية المغربية في الدفاع عن القضايا الوطنية، باعتبارها جسراً للتواصل الثقافي والدبلوماسي بين المغرب وبلدان الإقامة، إلى جانب مساهمتها الفعّالة في نشر الوعي بحقيقة النزاع المفتعل.
واختُتمت اشغال الندوة برفع برقية ولاء واخلاص مرفوعة إلى مقام أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعزه الله ونصره، تلاها السيد محمد هناني، بهذه المناسبة، باسم أبناء الجالية المغربية.
بعد ذلك، شهد الحفل أمسية فنية كبرى شارك فيها الفنان المقتدر خالد البدراوي بلوحة فنية رائعة، و فرقة تزويت العالمية باداءها الفلكلوري الأصيل و كذلك الثنائي الكوميدي المتألق جمال و نور الدين.
وفي المناسبة، نظم دوري ” المسيرة الخضراء ” في كرة القدم المصغرة تحت إشراف السيد عبد العزيز بورزقي، بمشاركة الفرق والأندية الرياضية المحلية، في أجواء احتفالية تعكس عمق الارتباط الوطني ورمزية هذه المناسبة الغالية. ويأتي تنظيم هذا الدوري الكروي في إطار الأنشطة المخلدة لهذه الذكرى الوطنية المجيدة، التي تجسد قيم الوحدة والتلاحم الوطني التي طبعت ملحمة المسيرة الخضراء المظفرة، مؤكدة حرص الجالية المغربية على تخليدها بأسلوب يجمع بين الرياضة والروح الوطنية.
واختتم الاحتفال برفع تحية إجلال لذكرى المسيرة الخضراء ولقائدها المغفور له الملك الحسن الثاني، والتأكيد على التعبئة الدائمة وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، دفاعاً عن الوحدة الترابية للمملكة وتعزيزاً للدبلوماسية المتعددة الأبعاد، مع
تجدديد المشاركين على تأكيدهم أن الدبلوماسية الموازية، بكل مكوّناتها من خبراء وأكاديميين ومواطنين بالخارج، أصبحت اليوم رافداً أساسياً في دعم مقترح الحكم الذاتي وترسيخ إشعاع المغرب في محيطه الإقليمي والدولي.
